سحقًا لإيجاد الشغف - مقال مترجم لمارك مانسون
سحقًا لايجاد الشغف!
للكاتب مارك مانسون - ترجمة ربى-
هل تتذكر عندما كُنت طفلًا؟ كنت تستمتع بفعل الأشياء، لم تفكر قط
ما المزايا النسبية بين تعلم كرة السلة وكرة القدم؟ كنت فقط تركض إلى
ساحة اللعب وتلعب كرة السلة وكرة القدم. كنت تبني بيوتًا من الطين وتلعب
الغميضة وتسأل أسئلة سخيفة وتُلاحق الحشرات وتحفر في العشب وتتخيل
نفسك وحشًا.
لم يأمرك أحد بفعل هذا، بل فعلته بنفسك، كان فضولك وحماسك هما
من يقودانك، والجميل في هذا الأمر أنك لو كرهت كرة السلة تتركها فقط.
لم يتدخل ضميرك قط بالتفكير بهذا،لم يكن هناك جدال أو نقاش على
تركها كانت المسأله تدور حول ما إذا كانت كرة السلة تعجبك أم لا.
و إذا كنت تحب البحث عن الحشرات تبحث عنها فقط، لم يكن هناك تحليل
عميق مثل " حسنًا، هل البحث عن الحشرات هو ما يجب علي فعله في سنوات طفولتي؟ لا يريد أحد غيري البحث عن الحشرات ! هل هذا يعني أنني غريب
أطوار؟ ما تأثير البحث عن الحشرات على مستقبلي ؟"
في طفولتك لم هناك أيًا من هذا الهراء، كان الأمر كله عن إما أنك تحب فعله
أم لا.
كيف يمكنني إيجاد شغفي؟
تلقيت هذه السنة قرابة ١١،٥٠٤ بريد إلكتروني من شخص
يخبرني أنه لا يعلم ماذا يفعل بحياته؟ ومثل بقية الناس سألني
هذا الشخص إن كان لديّ أي فكرة عمّا يمكنه أن يفعل بها،
أين يمكنه أن "يجد شغفه"؟
بالطبع لم أرد عليه، لماذا؟ لأني لا أمتلك أي إجابة.
إذا كنت لا تمتلك أي فكرة عن ماذا يجب عليك فعله، مالذي يجعلك تعتقد
أن شخص لديه موقع على الانترنت قد يعلم؟ أنا كاتب ولست عرافًا.
لكن الشيء الأكثر أهمية والذي أريد أن أخبر به هؤلاء الأشخاص أن بيت
القصيد هو "أن لا تعرف". تدور الحياة كلها حول "عدم المعرفة" ثم عمل شيء
على أية حال الحياة كلها هكذا، ولن تصبح الحياة أسهل فقط لأنك اكتشفت
أنك تحب عملك كمنظف لخزانات الصرف الصحي، أو حققت حلمك بكتابة الأفلام.
الأمر المشترك بين كل هؤلاء الأشخاص هو أنهم يريدون أن " يجدوا شغفهم "
والذي أسميه بأنه أمر تافه، لأنك وجدت شغفك بالفعل، لكنك تتجاهله فقط.
أنت مستيقظ ١٦ ساعة كل يوم مالذي تفعله بوقتك؟ أنت تفعل شيئا بالطبع،
تتحدث عن شيء ما، ويوجد موضوع أو نشاط أو فكرة تسيطر على جزء كبير
من وقتك، من محادثاتك، من سجل بحث متصفح الانترنت لديك، هناك شيء
يسيطر على كل هذا بدون وعي منك أو إرادة.
إنه أمام عينيك، لكنك تتجاهله فقط، لأي سبب كان أنت فقط تتجاهله، وتقول
لنفسك " حسنًا أحب الكتب لكن هذا شيء لا يهم، لأنك لا تستطيع
أن تكسب المال من الكتب"
هل جربت هذا من قبل ؟
المشكلة ليست في انعدام الشغف، المشكلة في الإنتاجية، في إدراك الشغف،
وفي قبوله.
المشكلة في طريقة التفكير " هذا ليس شيئا واقعيًا" أو " سيقول لي الناس
من الأفضل أن تكون طبيبًا" أو "هذا غير معقول، كيف يمكنك أن تشتري
BMW من هذا العمل"
المشكلة ليست في الشغف، إطلاقًا، المشكلة في الأولويات.
حتى بعد كل هذا، من قال أنك يجب أن تكسب المال من عمل شيء تحبه؟
منذ متى أصبح الناس يمتلكون استحقاق عالي لدرجة أنهم يريدون أن
يستمتعوا في كل دقيقة يقضونها في العمل؟
لنتكلم بواقعية، ما المشكلة في شغل وظيفة عادية، يوجد فيها القليل من
الأشخاص الذين تحبهم وفي نفس الوقت تمارس شغفك في أوقات فراغك؟
هل إنقلب العالم رأسًا على عقب فأصبحت فجأة هذه الفكرة غير مألوفة
لديهم؟
انظر ها أنا ذا أعيدك لأرض الواقع مجددًا، جميع الوظائف تكون سيئة أحيانًا،
لايوجد شيء يُدعى العمل بشغف طوال الوقت، أو عمل لن تمل منه أبدًا، أو لن
تقلق بسببه ولن تتذمر منه.
أنا أعمل بوظيفة أحلامي، والتي حدثت مصادفةً إن كنتم لا تعلمون، لم
أخطط أبدًا لذلك بأي شكل من الأشكال، كنت مثل الطفل الذي أراد اللعب
فذهب وجرب ذلك، ومع هذا مازلت أبغضها بنسبة ٣٠٪ وأحيانًا أكثر.
لكن ومرة أخرى، هذه هي الحياة.
المشكلة تكمن بالتوقعات، إذا كنت تتوقع أنك من المفترض أن تعمل
١٤ ساعات يوميًا وأن تنام في مكتبك مثل ستيف جوبز وتستمتع في
كل دقيقة، فهذا يعني أنك تُشاهد أفلامًا كثيرة مليئة بالهراء. إذا كنت تعتقد
أن من المفترض أن تستيقظ كل يوم قفزًا من السرير فرحًا بأنك ستذهب للعمل
فأنت لم تفهم الحياة جيدًا. الحياة لا تسير بهذا الشكل، لأنه ببساطه شيء غير منطقي، لأننا كلنا نحتاج أن نوازن بين الإحساس الجيد والسيء طوال الوقت.
شغفك يقبع أمام عينيك
لدي صديق منذ قرابة الثلاث سنوات وهو يحاول أن يفتح متجر إلكتروني،
لكنه لم ينجح، حتى أنه لم يحاول أن يعرض أي شيء للبيع، بغض النظر
عن سنوات العمل والكثير من الحديث عن مشاريعه، لم يفعل آي شيء
على الاطلاق. كل ما كان يفعله هو أنه عندما يسأله صديق ما أن يصمم له
شعار، أو أن يصمم له عرض دعائي لحدث ما، فإنه فجأة ينغمس في هذا
العمل مثل النحلة حتى أنه يبقى مستيقظ حتى الساعة الرابعة فجرًا من غير
أن يشعر بمرور الوقت، ويتسمتع بكل دقيقة تمر عليه. لكن بعد يومين فقط،
يعود إلى عادته القديمة ويقول " يا إلهي لا أعلم ماذا أفعل بحياتي ".
قابلت الكثير ممن هم في مثل هذا الوضع، هم لا يحتاجون إلى إيجاد
شغفهم، لأن شغفهم موجود أمام أعينهم تمامًا، لكن كل مايفعلونه هو أنهم
يتجاهلونه ويرفضون إعطائه فرصة أو أنه قابل للتطبيق على أرض الواقع.
كالطفل الذكي الذي يريد أن يلعب ثم يفكر " حسنًا ملاحقة الحشرات
أمرٌ ممتع، لكن لاعب كرة القدم يكسب مالًا أكثر، لذلك يجب علي أن أجبر
نفسي على لعب كرة القدم كل يوم، ثم يعود للبيت ويتذمر من مشاهدة
البرامج التلفزيونية.
وكل هذا هراء، الكل يحب مشاهدة البرامج، لكنه فقط اختار أن يحد من
اختياراته في الحياة بناءً على أفكار مليئة بالهراء تقبع في عقله عن النجاح
وعن ماذا يجب عليه أن يفعل في حياته.
وهناك أيضًا نوع آخر من الأسئلة التي تصلني عن طريق البريد الإلكتروني
" كيف يمكن أن أصبح كاتبًا؟"
والرد هو نفسه لا أمتلك أي إجابة.
عندما كنت طفًلا، كنت أكتب العديد من القصص القصيرة فقط للاستمتاع
وعندما كنت مراهقًا أصبحت أكتب مقالات و مراجعات عن أشياء أحبها
وبالنهاية لا يقرأها أحد، عندما ظهر الانترنت أصبحت أقضي الوقت بالساعات
أكتب عن مواضيع تافهه، كيف تشتري الآلات الجيدة، و أسباب قيام بعض الحروب.
لم أتوقع في يوم ما أن أمارس الكتابة كعمل، لم أفكر في يوم من الأيام
على أنها هواية، أو شغف. بالنسبة لي كنت أكتب عن الأشياء التي كنت شغوفًا
بها، السياسة، الفلسفة، الموسيقى، الكتابة كانت شيء أحب فعله.
وعندما أردت أن أبحث عن وظيفة أحبها، لم يكن علي البحث كثيرًا، في الحقيقة
لم يكن علي البحث إطلاقًا، الكتابة اختارتني بطريقة ما، كانت موجودة
لديّ بالفعل، كانت شيء كنت أفعله كل يوم منذ طفولتي، ولم أفكر به قط.
تفضلوا حقيقة أخرى ستجعلكم تشتاظون غضبًا، إذا كان يجب عليك
أن تبحث عن شيء ما تكون شغوفًا به، فأنت في الحقيقة لن تكون شغوفًا
به إطلاقًا، في الحقيقة لو كنت تمتلك شغفًا فهو موجود الآن في حياتك
كجزء لا يتجزأ منها، يذكرك من حولك باستمرار على أنه شيء غير طبيعي،
وبفعلك إياه أنت مختلف الناس.
لم أفكر في يومٍ ما عندما كنت أكتب مقالات من ألفين كلمة أن معظم الناس
لا يجدونه أمر ممتع، ولم يتوقع صديقي صاحب التصاميم، أن تصميم
شعار ما يجده معظم الناس عمل شاق وصعب، بالنسبة له هو كان أمرًا
سهلًا لذلك لم يفكر قط بمدى صعوبته، لهذا السبب التصميم هو ماينبغي
عليه فعلهُ بحياته.
الطفل لا يذهب إلى ساحة اللعب ويفكر: كيف يمكنني أن أقضي وقتًا
ممتعًا؟ الطفل يهرع ذاهبًا إلى الساحة ويلعب فقط.
إذا كان يجب عليك أن تبحث عن الشيء الذي تستمتع به في الحياة، لن تستمتع
بأي شيء، والحقيقة أنك بالفعل تستمتع بفعل العديد من الأشياء، لكنك تتجاهلها
فقط.
تعليقات
إرسال تعليق