يوجد من البشر من يكترث للبشر حقًا
يوجد الكثير من الأشخاص الذين لا يستحقون عطفنا، تضحياتنا، صداقتنا، وتفانينا، دائمًا يوجد سبب يجعلك تقول تبًا، لماذا أنا أفعل لهم كل هذا ولا أرى منهم إلّا عكسه عكس كل ما أردته من علاقتي بهم، أو عكس كل ما اعتقدت في يومٍ ما أنه يجب على كل إنسان كونه إنسان أن يفعل هذا لي ولغيري وللجميع، لكن لا تسير الحياة بهذا الشكل ولن تسيرإذا كان إلتزام الأشخاص في دينهم ليس ثابتًا دائمًا أو أولوية فماذا عن الأخلاق؟ ماذا عن التعاملات مع بني جنسهم.
هنا كانت نقطة التحول في حياتي وأصبحت عبارة " ما يهم هو ما أفعله أنا من خير وليس ما أحصل عليه جرّاء هذا الخير أو الخلق" ولا أخفيكم أني أصاب بالإحباط كثيرًا عندما أؤثر أحدًا ما على نفسي، ومن ثم أرى هذا الشخص نفسه قد سار فوق مشاعري بلا رحمه، ولم يتذكر في لحظة ما فعلته لأجله ولا مجاملة كاذبة لأنني بشر لكني أتذكر أني أفعله لأن هذا ما يجب فعله في موقف كهذا أو حدث كهذا، لأن هذا هو الفعل الصحيح وإن آلمني ما يعود به عليّ هذا الفعل، وحتى بعد هذا لا ألومهم حقًا من كل قلبي لا ألومهم، لأن في نهاية اليوم مايهم هو ما أفعله أنا أخلاقي أنا تضحياتي أنا وعملي أنا، لأني سأشكرني إن لم يشكرني أحد، وسأكبر في عيني عندما أصغر في عيونهم، وسأحبني سأحب شخصي وطيبتي وإحساني لأنها الخصال التي أقدرها جدًا جدًا أكثر من أي شيء لأنها الخصال التي تجعلني أحب وأقدرّ من أراها فيه، لأنها ما يثير إعجابي دائمًا، وكما أحب أن أظهر بشكلٍ جميل أريد أن أكون جميلة من الداخل، أن أرى عندما أقف أمام المرآة داخي وخارجي جميل، اليوم بينما كنت أعد العشاء سمعت في الراديو من يقول ولا يحضرني نصًا:
" كلما تقدمت بالعمر كلما أصبحت قيمة الأشياء
المعنوية -النفسية- أكبر من قيمة الأشياء المادية"
صحيح، بالضبط هذا ما يحدث، لكنّ الذي حدث لديّ هو أن الأمور المعنوية التي أفعلها أنا أصبحت تؤثر فيني ضعف الأمور التي يفعلها الآخرين، لأن من يعطي أهمية لقيمة ما في حياته وتراه يعمل بها، يعني هذا أنه منسجم تمام الإنسجام وصادق صادقٌ جدًا عندما يقول أنه لا يحب الكذب لأنه لا يكذب فعًلا، صادقًا أمام نفسه قبل الآخرين ولا يتنكر لقيمة عندما يحين وقت الحقيقة.
والأمر الآخر هو أن تكون السبب الذي يجعل أحدهم يؤمن بالخِصال الرفيعة التي تعمل بها، أن تكون مخلصًا
مع أحدهم إخلاصًا تامًا مع معرفة الجميع أن الطرف المقابل لا يؤتمن أن تحب حقًا شخصًا ما رغم كل ماتكرهه فيه، أن تكون صادقًا وتعلم أن صدقك سيسبب لك المتاعب، أن تكون صديقًا وفيًا وإن قالوا قديمًا أنك من المستحيلات الثلاث، أن تكون أخًا لا يترك أخاه ولو حاول أخاك أن يدفعك عنه بعيدًا، أن تتشبث بالناس حتى آخر قطرة وتُخلص لهم، أن تفعل المعروف ولو كان لا أحد ينظر إليك، أن تقول لا لشخص عرض عليك شيئًا حياءًا وليس رغبةً منه لأنك تستحي أكثر منه، أن تتخلى عن فرصة تتيح لك إهانة عدوك الذي لطالما ألحق بك أنواع الأذى لأنك لا تريد أن تؤذي أحدًا، قد يرى عدوك الفرصة التي تركتها ويقول في نفسه "لم يلحظها وإلّا انقض عليّ" ولا يعلم أنك لحظتها ولكنك لم تنتهزها اختيارًا لا اضطرارًا.
إذا رأى أحدٌ فيك هذه الخصال حتى وإن لم يذكر هذا أمامك، قد يجعله يتبناها فعًلا وليس قولًا كما تتبناها
أنت لأنه يرى أنه يوجد وإن قل أشخاص بخِصال رفيعة، يتحملون كل ما تعود عليهم به هذه الخصال، لأنهم فقط كانوا صادقين بإيمانهم بها قولًا وعملًا، أن تكون قدوة نادرة في هذه الحياة قدوة صلبة لا يهمها عدد الذين يفعلون ما تفعل، لا يهمها أن لا أحد يكترث بالأخلاق الرفيعة.
وهذه ليست دعوة للضعف النفسي أو الإنهزامية، بل دعوة الفارس الشجاع لأن أقول له تعلم متى تشهر سيفك
ومتى تمد يدك، تعلم كيف توازن بين الحزم واللين، تعلم كيف تردع كل من يعتدي عليك لا أن تبطش وتعلم متى
ترحم وتعطف وتقدّم تنازلات يحتاجها الشخص المقابل وإن كان لا يستحقها، لأن فيك خير وفيك قوة.
كن أمام نفسك ماتقولة وتمجّده ولا يصدنّك النكران أو الأذى عن الإحسان ولا تفقد الأمل فيومًا ما قد تجد ما ترى فيه ما ترى في نفسك. وإن لم تجد فيكفيك أنه محفوظٌ عند الله كل صغيرة وكبيرة منه وأن من أهل الجنة من يدخلها بأخلاقه فلا تتركها أرجوك فأنت قدوة ودليل، دليلٌ أنه يوجد من الناس من يكترث لشيء غير نفسه، أنه يوجد من يكترث لنا يوجد من البشر من يكترث للبشر حقًا.
تعليقات
إرسال تعليق