دقيقة بثمان وخمسين

 دقيقة بثمان وخمسين

 كتب بواسطة: ربى.

تعج مواقع التواصل الإجتماعي بالتغني بالقمر والسماء
والنجوم والبحر، بالتغني بالصباح، بالتغني بالأشياء
العادية - من كثرة التعرض لهاـ.
يكتب أحدهم تغريدة رومانسية عن جمال هذا الصباح
 والهواء المنعش الذي جلس فيه ساعة كاملة لكنه في
الحقيقة عاشه عيانًا دقيقة واحدة ثم أخذ يتصفح هاتفه
لثمان وخمسين دقيقة ولم يتنفس نفس واحد عميق
خالي البال مما يحدث في أحد حساباته على مواقع
التواصل، دقيقة واحدة من التأمل كافية لأن يفتح
هاتفه ويكتب" صباح جميل وهواء منعش" مع صورة
مرفقة للمكان الذي هو فيه وللمنظر، ثم يكمل تصفح
باقي مواقع التواصل الاجتماعي بعدها، ثم يذهب
 لأشغاله.

لا أحاول أن أقلل من شأن هذا الشخص، أبدًا
لأنني المتهم الأول في هذا الفعل، لكن هل جربت
 أن تجلس متأملًا الصباح، هاتفك على الطاولة،
تفتحه لتلتقط صورة للشمس، كوب قهوتك ربما
تغرد أيضًا، لكن تغلقه مرة أخرى، ثم تتأمل أمامك
فيما نشرته للتو، وكلماشعرت برغبة في فتح
هاتفك قاوم، أو ضعه بعيدًا عنك لأن ما يفوتنا
ونحن نتصفح هواتفنا أغلى بكثير مما نجنيه منها.

لن تستطع أن تتأمل ماحولك ببطىء وتشربه عيناك
على مهل وأنت تتصفح هاتفك من لحظة لأخرى، هل
رأيت شخصًا ينغمس في محادثة عميقة مع شخص
آخر وهو يتصفح هاتفه من لحظة لأخرى؟تجده لا
يعرف في نهاية المحادثة ما تحدثاعنه للتو.

 

الهواتف الذكية سرقت منّا عمق التجربة، كل تجربة
برفقة الهاتف تجربة سطحية، لأنك تأتيها بتركيز
أقل، وكيف تلم عقلك على قلة التركيز وأنت تغذية
بين الفينة والأخرى بمواضيع مختلفة، وقصص غير
مكتملة، وصور، صور لا تحصيها تقتطع كل هذه
الأشياء تركيزك ككعكة، ليبقى لك جزء صغير يعطيك
 تجربة في الواقع سطحية مع أنها ممتعة.

جرب أن تصعد لسطح المنزل في الليل، اصعد
بدون هاتفك، وتأمل في السماء والنجوم، وحتى
القمر، واجلس طويلًا بلا صوت بتركيز كامل
على هذه السماء الرائعة وإن اجتاحتك رغبة
عارمة بمشاركة هذه اللحظة في مواقع التواصل
الاجتماعي فادفعها، ادفع هذه الرغبه بكل
قوة واثبت في مكانك كالشجرة، شجرة تحرك
أغصانها الرياح، شجرة ثابته هادئة ساكنة
شجرة مطمئنة، وتأمل السماء، ثم انزل لهاتفك
وسترى الفرق بين هذه وبين تلك التجربة التي
كانت دقيقة واحدة في تقديرك للصباح الرائع
ثم دخولك عالم مواقع التواصل لمشاركة تلك
الدقيقة والتفريط بكل الدقائق الثمانية والخمسين
المتاحة لديك لتأمل ذاك الصباح.