أين الإيمان؟
الإيمان ومحله القلب، القلب الذي يقبع في أحشاء صدرك هناك ينزوي بعيدًا عن البشر هناك ينزوي ويحدث فيه ما لا يستطيع اللسان عن الإفصاح عنه.
الإيمان قوة تقبع في قلبك، لو أهداك الله إياه وحفظه لك لا يستطيع إنسان أن يسلبه منك لا يستطيع موقف ولا وقت ولا حدث أن يشق عن صدرك ويأخذه، الإيمان بالله بخزائن رزقه التي لا تنفد الإيمان بقدرة الله المطلقة، الإيمان بأنه مطّلع علينا يرانا، يرى مانخوض في الحياة ويرانا عندما لا يكون هناك أمل يرى عندما نضع أيدينا على قلوبنا قائلين يالله وكلتك أمري وقلبي وجبري أنت وحدك يالله.
كيف إذًا بعد كل هذا تُسَلّم إيمانك وتيأس بعد كلمة قالها شخص عنك عن حياتك عن حالك؟ لا! لا يستطيع شخص سلب إيمانك إلّا لو أهديته إياه طوعًا فلا تهديه و حافظ عليه من سارقين الأمل فلا الوقت ولا الأشخاص ولا الأحداث تستطيع نزع إيمانك من بين أحشائك من داخل قلبك، هو ملكك أنت وحدك واعلم أن إيمانك هذا يصبح أقوى مع اليقين بصدق ما قاله الله تعالى في كتابه.
أحب أن أضع كل فكرة بشريه في مقارنة مع آيات القرآن لأنها دائما تصبح صغيرة صغيرة جدًا ليس لها أثر، لماذا؟ لأنها ظلمة اكتسحها نور القرآن، لذلك أحب أن أقرأ القرآن باستمرار وأتدبر آياته، معانيها، لأنه كيف يمكنك أن تقنط وأنت تُذكِّر نفسك باستمرار على قدرة الله وعلى حقيقة التوكل والتفويض والدعاء؟
تتغلغل الأشياء في أعماقنا مع كثرة التكرار حتى تصبح جزء لا يتجزأ منّا، أرى دائمًا حجم أملي الكبير ولا أتعجب لأنني أعلم من أين أستمده، أستمده من نور الوحي والإيمان، أستمده من نور القرآن فاحفظ إيمانك وقاتل كل فكرة تحاول المساس به فإنه أغلى ممتلكاتك ولا أحد لا أحد أبدًا يستطيع أن يفتح قلبك وينزعه منك إلّا الله تذكر هذا دائمًا في كل مره تراودك فيها نفسك على القنوط والاستسلام وفقد الأمل باستجابة الدعوات.
ولا تظن أنك في فترة الرخا خالي الإيمان كما تشعر، فإنك ما تزال تغذيه ولا تراه، ويكبر ولا تعلم وكأنما يدخل في داخلك ويخرج من غير أثر، لكن عندما تصفعك الحياة وتكون في أشد حالاتك ضعفًا إذا بك تنهض فجأة بقوة لا تعلم من أين أتتك وتعتقد في وقتها أن الحياة نُزعت من قلبك فلا تأبه بها مقبلة مدبرة، لكن لم تعلم أن الإيمان الذي ما فتأت تغذيه في وقت الرخاء قد ردّ دينه لك وقت الشدة بل إنه كان موجودًا دائمًا يحفظ قلبك من كل ما يلج فيه لكنه عاش في قلبك كثيرًا حتى بتّ لا تفرق أهذه طبيعة قلبك مذ خلقت أم أن الإيمان حلّ فيه طويلًا فأصبح الإيمان قلبك.
وأختتم هذا بقول مالك بن دينار الذي وصف الإيمان وصف لم أقرأ مثله من قبل :
فأكمدني الحزنُ عليها، ووهن جأشي، ولم يكن لي من قوة الروح والإيمان ما أتأسى به، فضاعف الجهل أحزاني، وجعل مصيبتي مصائب. والإيمان وحده هو أكبر علوم الحياة، يُبصِّرُك إن عميتَ في الحادثة ويهديك إن ضللت عن السكينة، ويجعلك صديق نفسك تكون وإياها على المصيبة، لا عدوَّها تكون المصيبة وإياها عليك، وإذا أخرجتِ الليالي من الأحزان والهموم عسكرَ ظلامُها لقتال نفس أو محاصرتها فما يدفع المال ولا تردُّ القوة ولا يمنع السلطان، ولا يكون شيء حينئذ أضعف من قوة القوي، ولا أضيع من حيلة المحتال، ولا أفقر من غنى الغني، ولا أجهل من علم عالم، ويبقى الجهد والحيلة والقوة والعلم والغنى والسلطان للإيمان وحده، فهو يكسر الحادث ويقلل من شأنه، ويؤيد النفس ويضاعف من قوتها، ويردُّ قدر الله إلى حكمةِ الله؛ فلا يلبث ما جاء أن يرجع، وتعود النفس من الرضا بالقدر والإيمان به، كأنما تشهد ما يقع أمامها لا ما يقع فيها.
تعليقات
إرسال تعليق