لاتضعهم في صناديق

لا يملك البشر القدرة على التعامل مع الأشياء غير المفهومه لذلك يبحثون باستمرار عن الأسباب الكامنة خلفها ويحاولون تصنيفها، وغالبًا المحرك الرئيسي لهذه الرغبة هو العقل. عندما يقابلك شخص ما يبحث في سراديب عقله عن الصندوق المناسب لك ليضعك فيه ويعلّم عليه أي نوع من الأشخاص أنت، ولا يهم مدى قدرته على فك شفرة شخصيتك المهم هو أن يجد عقله فيك أسباب منطقية متناغمة مع نوع الصندوق الذي وضعك به، ثم يبدأ معاملتك بناءً عليه، يعتقد أن الشخصية الإنسانية المعقدة قد تحللت بهذه السهولة!
أحب أن أرى البشر يفعلون هذا لي وللأشخاص من حولي ثم يتبين لهم في النهاية أنهم أخطئوا اختيار نوع الصندوق وترتسم على وجوههم ملامح الدهشه ثم يحاولون من جديد فهم الشخصية بشكل أفضل فيستبدلون الصندوق القديم بصندوق آخر يناسب الفكرة الجديدة المتوهمه عنك وهلم جرًا.
أحب نظرة التعجب في وجه شخص ما اعتقد أنه استطاع فك شفرة شخصيتي الخاصة - والتي بالمناسبة كنت أحاول ولا أزال تفكيكها- لأنني أتكلم عن أحاسيسي كثيرًا، وتظهر شخصيتي ببساطة وبسهولة واضحة ويظن أنني قابلة للتصنيف معتقدًا أن هذه السهولة هي قدرته بينما كانت هذه السهوله هي قدرتي بالتحدث بوضوح تام ليس لسبب إلّا لتوضيح أبعاد الحياة للشخص الذي أمامي حتى يفهم دور الأحاسيس وعوالم النفس في حياتنا.

يعيش بعض الأشخاص حيوات بأكملها مهملين فيها الجانب النفسي إهمالًا تامًا، يميل معظم البشر للعيش على السطح دائمًا ومايعيش على السطح لا يرى العمق، ومن يضعك في صندوق ما بناءً على صفاتك السطحية قد وقع في وهم السطوح؛ عندما يعتقد الإنسان بأن البحر "ليس إلّا" عبارة عن أمواجه فيبحر فيه ثم يكتشف الحيتان والدلافين واللؤلو والمرجان وأحيانًا الظلمة والعواصف.
نعم معظم مستخدمي الصناديق تلك هم من الأشخاص الذين يعيشون على أسطح الأشياء، لأنه كيف لشخص يعرف أعماق بحره أن يحكم على الشخص المقابل من أمواجه، أن يضعه في صندوق شبرين متناسيًا-أو غافلًا- عن الأعماق الرائعة أو المرعبة، ونعم تستطيع فهم الأشخاص جزئيًا لكنك لاتستطيع سبر أغوار النفس بشكل كامل، يجب أن تستوعب الحياة بمجملها وأنها دائمًا متغيرة لامحالة.

عمق الشخصيات البشرية!
أليس رائعًا؟ أليس رائعًا كيف تختلف الشخصيات منذ خلق آدم وإن تشابهوا؟ أليس مثيرًا للدهشه كيف تكون موجات اثنين ظاهرة للعيان متطابقة وهي تختلف بما تحتها بالعمق؟ سبحان الله تقدّست أسماؤه كيف أبدع خلقنا، أليس رائعًا كيف تتبدل الشخصيات على طول الطريق، ويصبح الشخص الذي أمسى كاذبًا صادقًا؟ والشخص الذي كان أنانيًا فجأة يصبح الشخص الأكثر إيثارًا على وجه الأرض.

عالم الأنفس والشخصيات، عالم مليء بالغموض عالم جميل ويشد كل ذرة من ذرات حماسي كلما تصادمت مع شخصيات جديدة في الحياة، محاولةً فك شفرة كل من أقابل ثم أدرك في النهاية أنها أكبر من الأسباب الواضحة وأن التعامل مع الناس هو معرفة المزيج الرائع الذي يتولد باستمرار من تصادم الشخصيات بالأحداث الدائم.