فما بد من التفرق
أدركت منذ سن مبكرة أنني عندما أكبر يكبران معي فبينما يود الأطفال بسرعة أن يكبروا كانت نفسي تحزن لأنني لا أكبر وحدي بل يكبر معي كلّاً من أبي وأمي، ثم مرت الحياة وأنا أحاول أنا أتأقلم مع هذه الحقيقة، إلى أن تزوجت أختي الكبيرة والتي تليها ثم اللي تليها لأدرك أخيرًا أننا لن نبقى أخوة تحت سقف واحد إلى الأبد لن أعرف تفاصيل مايحبون وتفاصيل مايزعجهم وكنت أقاوم هذه الحقيقة بكل مافي قلبي وعقلي من قدرة، لكنني في يوم أدركت أنها سنة الحياة، أعلم كم هي سهلة وواضحه وبسيطة وأنتم تقرأونها الآن لكنها لم تكن في تلك المرحلة سهلة علي البتة.
في الحياة تُعرف الأشياء بأضدادها وعندما أتفكر برغبتي ببقاء الأشياء كما هي وأتخيل كيف ستسير لو أنها بقيت حقًا عندها فقط أستطيع أن أرى الجزء الذي تمنع وقوعه هذه السُنّة، سُنة الحياة كلمتان وفيهما طمأنينة الكون، سنة الحياة تجعلك تمضي براحة رهيبة وكأن رغبتك بالتمسك بكل هذه الأمور والثقل الذي يجثم على صدرك منها يرتفع بسهولة عند تذكر تلك الكلمتين.
عندما قرأت إستئذان بلال أبو بكر -رضوان الله عليهم- ليخرج للجهاد وتخيلت حال المدينة أنذاك بعد موته صلى الله عليه وسلم وبعدما خرج بعض كبار الصحابة رضوان الله عليهم للجهاد لإعلاء كلمة التوحيد، لأنه حان الوقت لنشر الإسلام في الشام، عندما قال أبو بكر: "وإني لأجد لفراقك وحشة يا بلال فما بُد من التفرق فرقة لا لقاء بعدها أبدًا حتى يوم البعث"، فما بد من التفرق يقول أبو بكر رضي الله عنه وقد عرف الحياة.
فإن كان قلبي سيتقطع على سنة الحياة ومآلاتها فلتقطع على هذه النخبة وليبكي على فراق الصحابة بعضهم لبعض رضوان الله عليهم.
عندها تهون الحياة، كلها جملة واحدة، إذا كانت تلك النخبة قد مرت بهذه السنة فماذا عنّا؟ على ماذا نبكي من آثار هذه السنة؟
أن نقبل الحياة ونراها من أولها إلى آخرها كاملة ونعرف ماهي وندركها من الداخل والخارج لتخف وطئتها ووحشتها علينا.
تعليقات
إرسال تعليق