ماذا لو أدركنا الحياة في بطون أمهاتنا
ماذا لو كنا نمتلك هذا الوعي الإدراكي للمستقبل عندما كنا أجنة في بطون أمهاتنا؟
إلى من أرهقه التفكير بالمستقبل، هذا المقال موجه إليك.
لو أننا ندرك الحياة وصعوبتها في بطون أمهاتنا، سيصيبنا الهم، هم من هي والدتي؟ كيف ستكون شخصيتها؟ من سيكونون اخوتي؟ هل سيوفر لي أبي العيش الرغيد أم لا؟ هل سأنجح في اختباراتي في كل سنين دراستي؟ هل سأحصل على رفاق جيدين عندما أدخل المدرسة؟
كل هذه الأسئلة لاتخطر على بالنا ونحن رُضّع، ولا عندما تصبح بسن الخامسة، كل مايهم عندما تكون طفلًا هو اللحظة الحالية أن تلهو وتلعب لايوجد مستقبل فالمستقبل هو اللحظة التاليه التي سأكون فيها مشغولًا بما أنا مشغول به الآن.
يستطيع أن يخالفني شخص ما بأن هذه الهموم "هموم المستقبل" واجبة على البالغ، وأن الطفل لايفعل إلّا اللهو، صحيح، لكنك تعديت بهذا الهم المستمر الهم المطلوب لجعل حياتك كريمة، أنت تهتم ماذا ستكون وظيفتك وماذا ستكون عليه أخلاق شريك حياتك همًا لا ينضب، ليس همًا ينتهي بامتلاكك لهذه الوظيفة أو حصولك على الشريك الذي ترضاه، بل أبعد من ذلك أشبه مايكون هم محموم وسوء ظن بالمستقبل، ماذا لو طُردت من هذه الوظيفة؟ ماذا لو تغيّر علي شريك حياتي؟ وماذا لو ولو ولو .. إلى مالانهاية.
في اللحظة التي خرجت فيها من رحم والدتك لم تكن تعي شيئًا من هذا، لم تكن تخاف فقد والدتك ولا نفاد الحليب،كنت بحفظ الله، فالله تولى حفظ والدتك لك، رزقك مشربك ومأكلك، ذكر الله في كتابه عن نبيه إبراهيم -عليه السلام- أنه قال: (والذي هو يطعمني ويسقين)، كان الله معك يرعاك في كل خطوة لم تدرك فيها خطورة العالم والمستقبل، كان يحفظك من أن تقع في المكان الخطأ بالوقت الخطأ عندما تغفل عنك أمك، لم يغفل عنك سبحانه وتعالى، يرزقك ويساعدك ويحفظك ويسدد خطاك ويسهل المصاعب عليك، كان ولازال يحوطك بلطفه، لكنك الآن استوعبت العالم، ولم تستوعب من كان معك على طول الطريق ولا الطريق الذي قطعته، لم تستوعب قوله سبحانه في كتابه:(ومن يتوكل على الله فهو حسبه)، في تفسير السعدي لهذه الآية يقول: "(ومن يتوكل على الله) أي: في أمر دينه ودنياه، بأن يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع مايضره ويثق به في تسهيل ذلك (فهو حسبه) أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه به، وإذا كان الأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم، فهو أقرب إلى العبد من كل شيء."
أو الإدراك الكلي لقوله صلى الله عليه وسلم : (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا) .
اعلم أنك تدرك وستدرك إلى الأبد صعوبة الحياة، وستتذكر المستقبل دائمًا في كل خطوة ولن تغفل عنه لحظة، فإن أنت توكلت على الله وفوضت إليه أمرك فقد سقط همك ولن يكون لهمك عليك من سلطان ولن يجد الشيطان إليك منه سبيلا، ولا يوجد ترياق لهم المستقبل إلّا التوكل على الله سبحانه وتعالى - والله أعلم - حينها تعود هموم ذاك المستقبل المجهول صاغرة ذليلة أمام قلبك المتوكل على الله العزيز الحكيم.
أعلم تمامًا صعوبة عدم الالتفات إلى ذاك المستقبل المجهول، لكنها صعوبة من لم يعتد على التوكل على الله، من لم يوطن قلبه، واعلم أنك اليوم تطلب التوكل بعقلك وغدًا سيطلبه منك قلبك، لكن حاول، حاول كل يوم تستيقظ فيه في الصباح قل أنا متوكل وانهض من فراشك نهوض شخصٍ قلبه واثق بالله، نهوض شخص يثق في الله أكثر من ثقته بنفسه وبما تحت عينه، وامض إلى يومك واسعى في رزقك وتذكر أن الله حسب من توكل عليه.
تعليقات
إرسال تعليق