سؤال الناس

 سُئل الإمام أحمد بن حنبل: كيف السبيل إلى السلامة من الناس؟ فأجاب: تعطيهم ولا تأخذ منهم، ويؤذونك ولا تؤذيهم، وتقضي مصالحهم ولاتكلفهم بقضاء مصالحك، قيل له: إنها صعبة يا إمام! قال: وليتك تسلم.

نص قد مرّ على الكثير منا مراتٍ عديدة، تشعر بالضجر من قراءته للمرة المليون؟ حتى أنا كنت كذلك، حتى علمتني الحياة عندما حاولت مرارًا أن أخذ من الناس الإحترام والإهتمام أنني عبثًا أحاول ذلك، حاولت بكل الطرق، تحدثت فعلت لكن النتيجة كانت دائمًا هي نفسها ثم أحزن، لماذا لايفهمون، لكنني لم أتذكر يومًا هذه المقولة التي حُفرت في ذاكرتي، تعطيهم ولا تأخذ منهم، كم بها من سلام لا يضاهيه سلام، بلحظة أصبحت حُرًا طليقًا وأنا الذي كنت أحبس نفسي بقضبانهم دون حتى علمهم بذلك، كانت مقولة الإمام بديهية إذا كنت تبحث عن السلام وكم مرة عاقبتنا البديهيات لعدم انتباهنا لها رغم وجودها دومًا أمام أعيننا!
في تلك اللحظة التي تذكرت بها هذه المقولة حررت نفسي وأصبح مزاجي طوعي، لا أشعر بحزن أنا أرى ما يفعله بعض الناس تجاهي ثم ماذا؟ ثم أنني أعطي ولا آخذ. لن أطلب فالطلب حاجة والحاجة تجعلك سجين الشخص الذي يملكها، لماذا تحتاجهم وأنت تستطيع بفكرة واحدة أن تكون غنيًا عنهم.

يذكرني هذا بحديثه صلى الله عليه وسلم عندما قال:(مَن يَكْفُلُ لي أن لا يسألَ النَّاسَ شيئًا وأتَكَفَّلُ لَه بالجنَّةِ) فقالَ ثَوبانُ: أنا فَكانَ لا يسألُ أحدًا شيئًا، "وتقدَّم أنه بايع جماعةً من الصحابة على أنهم لا يسألون الناسَ شيئًا، حتى كان بعضُهم يسقط سوطُه فلا يقول لأحدٍ: ناولنيه، بل ينزل عن دابَّته ويأخذ السَّوط."

"فكان جماعة من الصحابة لا يسألون الناس شيئًا"، ألا نستطيع أن نأخذ فعلهم هذا قدوة لنا، قدوة لنا في داخلنا، أن نعطي ولا نسأل، أن نعطي إحترامًا مراعآة لينًا ولطفًا وحُبا ثم لا نسأل، لا نسأل الناس أيًا منها، نمشي في هذه الحياة خفافًا بلا سؤال. ألا يكون الإنسان خفيفًا حد الطيران عندما لا يشعر بأنه يحتاج إلى سؤال الناس شيئًا، حتى أصغر شيء حتى أبسط شيء.

إذا كنا نترفع عن الطلب منهم ماديًا، فخليقٌ بنا أن نترفع عن الطلب منهم نفسيًا، ليست مبالغة بل الطريق إلى سلامك النفسي والمزاجي والحياة الطيبة الهادئة، جاور الناس ولا تطلب منهم، فالحياة لا تزال ممتعه بوجودهم، وكيف يختبر المرء نفسه بعيدًا عنهم، كيف يعرف المرء أخلاقه وقوة صبره وتحمله، كيف يعرف المرء نفسه باختصار بعيدًا عنهم؟ لكن يجب أن تعرف مداخل ومخارج التعامل السليم مع الناس التعامل الذي يفضي إلى سلام داخلي لايتكدر، السلام الناتج عن المتابعة الدقيقة للنظم التي شرعها الله لنا بالتعامل معهم.

تذكر ثلاث: تعطي لا تؤذي وتقضي.

تعليقات

المشاركات الشائعة