مع أحمد أمين
رغبة بالبكاء تجتاحني من فرط ما أشعر، إنتهيت للتو من قراءة سيرة الكاتب أحمد أمين -حياتي ـ وقد سمعت عنها الكثير وها أنذا أعيش فرط الشعور والإعجاب والدهشة. قرأت قبلها سيرة ابنه جلال أمين وبلغت مني مبلغًا عظيمًا وأعجبت بها أيما إعجاب، وقد ذكر جلال أمين والده في سيرته، والآن بعد قراءة سيرة أباه كأن الصورة تتضح - مع أن الحياة أعمق وأعقد من ملايين الكلمات-.
كَتب أحمد أمين مقدمة رائعة لسيرته وددت لو أنني أتخذها مبدئي في سيرتي في الحياة - ولعلني بدأت فعلًا باتخاذها- وأكثر ما حُفر في وجداني منها قوله: "ولم أذكر فيه كل الحق، لكني لم أذكر فيه أيضًا إلّا الحق، فمن الحق ما يرذل قوله وتنبو الأذن عن سماعه، وإذا كنا لا نستسيغ عرى كل الجسم فكيف نستسيغ عرى كل النفس؟"، ولم أقرأ لكاتب من قبله يفصح عمّا يدور في خلده من أحاسيس ومشاعر كما صرّح به أحمد أمين عن نفسه - هذا وقد تحفظ عن ذكر الكثير كما ذكر في الإقتباس- ولعها النقطة التي حببتي بشخصيته كثيرًا لأننا هنا وأعني بنا - أنا وأحمد أمين - نتفق في هذه الفلسفة، ففضولي كثير بما يدور في النفس من أحاسيس فأحب اخراجها للعلن ولعلي استمتعت بما أخرجه لنا أحمد أمين من نفسه كثيرًا وشعرت بالألفه تجاهه.
وقد قال أيضًا في مقدمته:" لعلها تفيد اليوم قارئًا، وتعين غدًا مؤرخًا، فقد عنيت أن أصف ماحولي مؤثرًا في نفسي، ونفسي متأثرة بما حولي"، فلم أكن أعرف عن الأزهر إلّا شهرته وإذا بي أعرف التاريخ، ولم أكن أعرف الكتاتيب إلّا مهنةً فإذا بي أجلس مع أحمد أمين على الحصير وأشرب من الكوز وأكل مع الأطفال الفول، وأعرف عن مصر القديمة ما ليس لي به علم من قبل قرائتها.
ويتحدث عن والده برضى رغم ذكره ما أوجعه منه، ورضاه عنه يغمرني حبًا، وقد كتب عن الأخلاق فإذا به يتخلق بها في كلماته وما وراء كلماته، وذكره لمن حوله، فغالبًا يستطيع بعض القراء الإحساس بالمشاعر التي ولّدت الكلمات، وأن أميل إلى إجادة هذا الشعور كثيرًا، فهو أخلاق في انتقاده يتحفظ أشد التحفظ بينما يتخذ البعض الأدب ذريعة لقول الحق في أشد كلماته إلامًا.
ولشدة ما عني أحمد أمين بتأثر النفس مما حولها أشد تأثر، وكان يرى بوضوح بعض أسباب صفاته الشخصية - كما أرى بوضوح بعض أسباب صفاتي أنا الشخصية-، ثم تكتمل هذه السيرة بالإيمان الكبير الذي يملأ صدره ويهيمن بين الفينه والأخرى على أحاسيسه ومشاعره فيقول: "وإن شك حينًا عقله آمن قلبه".
وأحب أن أختتم هذه التدوينة باقتباسي المفضل من هذا الكتاب: " وكنت وصرت، وكنت وصرت مما يطول شرحه، فما أكثر ما يفعل الزمان."
تعليقات
إرسال تعليق